pregnancy

١ الأعشاب الطبية تنافس الطب العصري وتفرض مكانتها مع الدواء٠

الأعشاب الطبية تنافس الطب العصري وتفرض مكانتها مع الدواء
تشهد معظم الأسواق الأسبوعية وكذا المحلات التجارية بولاية باتنة على مدار أيام السنة حركية كبيرة بفعل انتشار ظاهرة باعة العقاقير والأعشاب الطبية، وما عزز نشاطهم هذا أنها لقيت إقبالا متزايداً من قبل مواطني الولاية، خاصة منهم النساء وكبار السن، والمتجول عبر الأسواق يرى تهافت هؤلاء لابتياع تلك النباتات الطبية والوصفات التي تحضر باعتماد الأعشاب طبية، وهي تأتي حسبهم كبديل بعدما ثبتت فعاليتها في معالجة الكثير من الأمراض بدلاً من الأدوية الكيماوية التي اكتسحت مدرجات الصيدليا  .
يمكن ملاحظة مظاهر شيوع هذه التجارة عبر مختلف الأسواق الشعبية، حتى أرصفة الطرقات لم تسلم من ذلك، ولما راحت في التوسع امتدت إلى أن استطاع هؤلاء الباعة أن يجعلوا منها تجارة قائمة بذاتها، من خلال فتح محلات خاصة ببيع هذا النوع من الأدوية الطبيعية، فيما ارتقى آخرون بطموحهم في ترويج هذه السلعة وتحقيق أكبر قدر من هامش الأرباح عن طريق خلق ما يصطلح على تسميته عيادات تمتهن التداوي بالأعشاب الطبية.
نجاعة الطب البديل جعلته قبلة الكثيرين
لعل أهم شيء جعل بالمواطن الجزائري عبر مختلف ولايات الوطن يلجأ إلى التداوي بالأعشاب والتخلي عن الدواء هو الطب البديل، هذا الأخير الذي استطاع حسب تصور الكثيرين أن يعوض الطب الحديث، فرغم البحوث والإمكانيات التي تتوفر في الطب الحديث إلا أن معظم الناس فضلوا الخروج في رحلة بحث خاصة عن سبل أخرى لتسكين الآلام والأوجاع فلم يجدوا بُدًا لتحقيق ذلك إلا في ما توفره مستحضرات الأعشاب الطبيعية، والتي غالبا ما تستعمل إما بعد تنقيعها أو تغليتها في الماء، وهذا النوع من التطبيب التقليدي يعرف لدى عامة الناس ب«طب العرب”، ويعد هذا الأخير من الظواهر العريقة التي لطالما اعتمد عليها في التداوي، وأكدت نجاعتها في الشفاء من عديد الأمراض، وهو ما جعل كثيرين يهرعون إلى اعتمادها في علاج مختلف العلل، وفي مقابل ذلك لابد من الاعتراف أن هناك عددا ليس بالقليل من الأمراض ما تستلزم بالضرورة الذهاب إلى الأطباء لأخذ الوصفات الطبية التي أصبحت في غالب الأحيان غير نافعة مقارنة بالنتائج التي يحققها التداوي بالأعشاب الطبيعية، هذه الأخيرة التي تعد عند الكثير من الناس بديلاً ناجحاً في علاج أمراض يعجز الطب الحديث عن الوقوف بوجهها، وفي مقدمتها الأورام الخبيثة في الدم والمعدة والثدي وحتى “البروستات”، ذلك أن إتباع طرق التداوي بالجرعات الكيماوية أو الكي أو نحو ذلك يبقى في كل الأحوال محدود الفاعلية وقد تتعدى مضاعفاته إلى خلق مضاراً كبرى في جسم المريض، في حين أن تناول الأعشاب بهدف العلاج لا يترك أية آثاراً جانبية.
مرضى سئموا المواد الكيماوية ولجأوا إلى التداوي بالأعشاب
نزلنا إلى الميدان بغرض استقراء الآراء، اقتربنا من عدد من الصيادلة، فأفاد «هشام» وهو صيدلي ينشط بمدينة “عين التوتة” أنه بالرجوع إلى علم الصيدلة نجد أن العديد من الأدوية المعروفة هي في الأصل مستخلصة من النباتات والأعشاب مع بعض المستحضرات الكيماوية التي قد تسبب أعراضا جانبية، ما جعلها تتسبب في استفزاز العديد من مستهلكيها بالنظر إلى عدم جدواها في مقاومة المرض، ومن ثمة كان هروعهم إلى البحث عن بدائل أخرى في العلاج أمرا منطقيا ومتوقعا، فما كان لهم إلا التوجه نحو تجريب التداوي بالأعشاب الطبية انطلاقا من نصائح يقدمها لهم هؤلاء الذين يمتهنون هذه التجارة، وأضاف ذات المتحدث أن هذه الطرق في التداوي عرفت طريقها إلى نفوس الكثيرين، حيث استطاعت أن تكتسح الميدان بامتياز، فحتى أصحاب الأمراض المزمنة وجدوا النصيب الكبير من الراحة أو على الأقل التخفيف من حدة أوجاعهم ومصابهم بمجرد استهلاكهم لهذه الوصفات الطبيعية التي عادة ما تجلب الشفاء في تصورهم، وأضاف أن جل المواطنين خاصة منهم أولئك المصابين بالأمراض المزمنة كرهوا استهلاك الدواء التي أصبحت عندهم لا تجدي نفعا.
أصول الطب البديل عربية مائة بالمائة
وجهاتنا الثانية كانت نحو تقصي رأي المواطن عبر مختلف شوارع ولاية باتنة، اقتربنا من “سمية” وهي سيدة في الـ45 من العمر، قالت إنها تعاني من بعض الأمراض على غرار صداع الرأس والمعدة، وهي تفضل الانتفاع بمزايا الطب البديل عن طريق استهلاك الأعشاب الطبيعية، لاسيما أن علماء العرب والمسلمين هم من أوائل الشعوب اعتمادا على هذا النوع من العلاج على غرار العالمين العملاقين “ابن سيناء” و«الرازي” واللذين وضعا الأسس العلمية الأولى للطب، فكانت خلاصة تجاربهم منطلق العلم الحديث، غير أن اعتماد هذا الأخير على استخدام المواد الكيماوية في التركيب الدوائي نتج عنه حدوث مضاعفات لدى المريض، وهو جعل الكثير من الناس يتجهون نحو طب الأعشاب، وما عزز هذا التوجه أن عددا من الأطباء المزاولين لمهنة طب الأعشاب أثبتوا جدارتهم ونجاحهم في معالجة الكثير من الحالات المرضية، ومن ثمة تضيف ذات المتحدثة فإنني أفضل الطب البديل عن الطب الحديث بالنظر إلى ما حققه من نجاح أمام الإخفاق الذي سجله بعض الأطباء في زيادة أعراض الأمراض على اختلاف أصنافها لدى جموع المرضى، والذين غالبا ما يكونون ضحايا أطباء قد نسوا أنهم أمام إنسان بشري يعاني ويبحث عن العافية في الصحة.ما أصابني جعلني لا أثق في الطب الحديث إطلاقا وقالت “أمينة” التي تقطن بمدينة “عين التوتة” وهي سيدة مطلقة وأم لولدين وقد صادفناها بمركز تصفية الكلى، أنها تعاني من مرض القصور الكلوي منذ أزيد من 5 سنوات، وأنها سئمت من حياتها جراء الوضع الذي آلت إليه في الآونة الأخيرة جراء المرض الذي لحق كليتيها، إضافة إلى المعاناة التي تصاحبها دائما خلال سويعات تصفية الدم والمقدرة بأربع ساعات، و3مرات في الأسبوع، حيث أكدت أن ما السبب في وصول حالتها إلى هذا الحد سببه أحد الأطباء الذين كانت تداوم العلاج عنده، ومن ثمة فإنها ما عادت على حد تعبيرها تثق في الطب الحديث مطلقا. 
صيدليات” أم عيادات للتشخيص ووصف الدواء!
لعل أن أهم شيء أفقد ثقة الكثيرين في الأدوية الكيماوية هو حال الصيدليات التي أصبحت مراكز لتشخيص المرض وإعطاء الدواء، حيث أن أغلبية الصيدليات تحولت مهامها إلى أبعد من ذلك حيث أصبحت شبيهة بعيادات طبية وتتلخص وظائفها في تقديم الاستشارات التي تخص الجانب الصحي، ولموظفيها صلاحية تحديد الدواء المطلوب للمرضى، والواقع يؤكد لجوء الكثير من المواطنين إلى الصيدلي لتشخيص الدواء المناسب لحالته المرضية، وذلك دون الرجوع قبل كل شيء إلى استشارة الطبيب هربا من التكاليف التي ارتفعت قيمتها لتجاوز عتبة الألف دينار لدى بعض الأخصائيين، وفي مقابل ذلك يثق مواطنون آخرون في الصيادلة من منطلق معرفته بالداء والدواء، وهذا ما زاد الطين بلة، إذ أن العديد من مرتكبي هذه الأعمال وجدوا أنفسهم أمام أمر لم يعملوا له حسبانا، فبدل شفاء هؤلاء المرضى الذين قصدوهم لأجل الاستشارة وجدوا أن حالاتهم الصحية تسير نحو الأسوأ فيما تعدت حالات آخرين إلى الإصابة بأمراض أخرى، وذلك بعد أن استهلكوا جرعات دواء لا تتوافق ونوعية ما يصيبهم.
وعند اقترابنا من بعض الصيدليات التي أصبحت مقرات للعلاج، أصحابها أطباء مزيفون وجدنا تباينا في آرائهم حول مدى شعورهم بالرضا عن قيامهم بدور الطبيب في الكشف على المريض بحكم التجربة، في حين يعتبر بعضهم الآخر ذلك تدخلا في عمل الطبيب، وما عليهم سوى بيع الدواء فقط، إلى جانب آراء عدد من المواطنين الذين أجمعوا على أن الثقة بين المريض والصيدلي هي أساس التعامل بين الطرفين، فالصيدلي يمكن له التعامل مع حالات المرض الخفيفة مثل الزكام ونزلات البرد والسعال بدل اللجوء إلى تقديم ما يتعدى صلاحياته وفي ذاك بطبيعة الحال إهدار لكرامة الطبيب وجعلها في خبر كان، وفي هذا الصدد كشف «محمد» لـ«السلام “ أنه يداوم على الذهاب إلى الصيدلي من أجل أخذ وصفة دواء معينة لأبنائه في حالة إصابتهم بمرض معين، وهو في غنى عن الطبيب ما دام بتصوره لا يفعل شيئا سوى أنه يأخذ منه مبلغا يفوق الوصفة التي يكتبها له، أما السيدة “خليدة” وأم لطفلين وهي لا تتأخر في أخذهما إلى الطبيب، ولكن هذا لا يعني أني لا أثق في فعالية التداوي بالأعشاب، بدليل اعتمادي على بعض الوصفات التي تخص بعض الأمراض البسيطة كالزكام والصداع، وتبعا لمنافع تلك الأعشاب جعل الإقبال عليها كبيرا وهو ما الطب الحديث يفقد قيمته وأهميته لدى الناس خلال السنوات القليلة الماضية.
إقبال منقطع النظير للنساء
اتجهنا عقب ذلك إلى أحد مراكز التداوي التي تعتمد الطب البديل، وقد اعترف صاحبه بأن حوالي 80 بالمائة من مواطني الولاية يترددون على محله دون الذهاب إلى الطبيب لطلب استشارة حول بعض الأعراض المرضية التي تنتابهم، وذلك طمعا في توفير المال، كما أكد أن المواطن لا يطلب الدواء من الصيدلي ولا يقرر الذهاب إلى الطبيب إلا بعد أن يجرب وصفات الطب البديل في بعض الحالات المرضية بما فيها المزمنة، وهي تتلخص عموما في آلام الأسنان، أوجاع الرأس، الزكام، السكري، ضغط الدم وغيرها، ولدى اتجاه المريض إلى مركزنا على سبيل المثال يجري له الطبيب بعض التحاليل على الدم يتبعها ببعض الأسئلة من خلال طرح بعض الأسئلة على المريض تدور في مجملها حول عمره، وزنه والأدوية التي كان قد تناولها، وفي حالة كونه مصابا بمرض مزمن احتياطا قبل وصف الوصفة العُشبة التي تتوافق ونوعية ما يصيبه، ومن أهم النباتات والأعشاب الرائجة –يضيف ذات المتحدث” “أزهار البيبون” التي تشفي أمراض الزكام والبرد والنزلات الشعبية كما أنها مضادة للمغص إضافة إلى أنها تعطي الجسم مناعة عالية ضد الأمراض وخاصة أمراض الشتاء، ولهذا يكثر الطلب عليها خلال هذا الفصل تحديدا، كما أن «الحبة السوداء» فيها الكثير من الفوائد وتشفي من أمراض السرطان، الكبد، آلام الأسنان وتساقط الشعر، أما حبوب «الخردل» فإنها تستخدم لتفتيت حصى الكلية وتنظيفها من الحصى والرمل، هذا بعض النظر عن عديد الوصفات الأخرى التي تخص المظهر الجمالي للإنسان كالوجه والوزن وهي متوفرة في هذا النوع من المراكز بوفرة كبيرة، وهي تعرف إقبالا واسعا من قبل المواطنين خاصة منهم شريحة النساء.أعشاب باهضة الثمن لكنها رائجة ونحن نتحدث معه التقينا ب«فضيلة» ، اقتربنا منها لتقصي رأيها في الموضوع، فصرحت لنا أنها تتابع باهتمام بعض الحصص التي تستضيف أخصائيين في مجال التداوي بالأعشاب الطبية، مضيفة أنها تثق كثيرا في الوصفات التي يقدمها هؤلاء، ورغم أن الأعشاب التي يصفونها تكون باهضة الثمن أحيانا غير أني أبتاعها بالنظر إلى فاعليتها الكبيرة مقارنة مع الجرعات الكيماوية التي تكون غير مفيدة عادة، كما كانت لنا فرصة الدردشة مع “حمزة” الذي وجدناه هو الآخر في ذات المركز وقد قصده هذا المرة لأجل أخذ وصفة علاج التبول اللاإرادي عند الصغار لأبن أخيه بعد أن أثبتت فاعليتها مع ولده «هيثم» مباشرة عقب تناوله لها، ورغم تكلفتها الباهظة التي وصلت إلى حدود 2500دج إلا أنه يظل هينا أمام المنفعة الكبيرة التي عادت على ابنه.
الشيح، التيزانة والزعتر ميراث أمهاتنا وجداتنا
وفي أثناء تبادل أطراف الحديث معه وفدت علينا الحاجة «سليمة»، وحاولنا معرفة رأيها فقالت أنها كثيرا ما تعتمد على مختلف الأعشاب المعروفة منذ أمد بعيد في مداواة بعض الأمراض الشتوية، وهي إن لم تنفع فهي لا تضر في شيء، والشيء المؤكد أنها نافعة على غرار “التيزانة”، “الزعتر” و«الشيح” كلها مواد معروفة وقد ورثنا استعمالها منذ القدم عن أمهاتنا وجداتنا، ونحن نحملها للأجيال المتعاقبة خاصة وأنها مفيدة في علاج بعض الأمراض، زيادة على كونها تمنح الجسم قوة وطاقة لا مثيل لهما، وأضافت أنها تداوم على استعمال تلك الأعشاب للمداواة بها، وقد أتت اليوم لأجل شراء أوراق “الكاليتوس” لتبخيرها في المنزل، لاسيما مع موجة الزكام التي زارت العديد من الأسر في هذه الأيام، وقد ضمنت نجاعة بخاره في إبعاد “الفيروس” عن أسرتها منذ سنين، وقد انتقل الاعتماد في تداوي الجزائريين إلى أعشاب أخرى ك«العرعار”، “البابونج” و«الإكليل”، كل تلك الأنواع المفيدة للكثير من الأعراض المرضية كالكولون، التوتر، القلق، الزكام وكافة الأعراض الأخرى.
خلطات الأعشاب الطبية تكتسح الصيدليات والمكتبات
والجدير بالذكر أنه لمّا تضاءل عدد الأسواق الأسبوعية عبر مختلف ربوع الوطن،راحت في مقابل ذلك تجارة الأعشاب الطبية في التوسع أكثر فأكثر لتنتقل إلى المحلات والمتاجر المختلفة، حيث صارت تكتسح الشوارع التي تعرف بحركيتها الكبيرة، الأكيد أنك ستجد فيها ما تبحث عنه، لكن الفرق بينها وبين ما كان معروضا في الأسواق الأسبوعية هو غياب خدمة العلاج الفوري والتجربة التي تنهي كل شكّ من فوره، واتسع نشاط هؤلاء التجار لتأخذ أماكن أخرى ليست من حقها، ونعني بذلك اكتساحها المكتبات جنبا إلى جنب مع الكتب وما شابه، ويتعلّق الأمر ببعض المستحضرات والخلطات التي يأتي بها أصحاب المكتبات، وهي عادة ما تكون في شكل مستخلصات الحبّة السوداء التي يندُر وجودها بالمغرب العربي ككل، وبعض المكسرات الممزوجة بالعسل الصافي، وتستخدم في علاج النحافة، تساقط الشعر وكذا داء المفاصل، سألنا عن سبب تواجدها بالمكتبات، فأفاد أحد الباعة أنهم يتقصّدون عرضها بالقرب من الكتب الدينية؛ لأن أغلبها خلطات مستوحاة من الطّب النبوي وتوضع بالقرب من الكتب التي تشرح هذا الطب وتدعو إليه، مع العلم أنها لا تشكل أي خطر على صحة المستهلكين لها.وفي كل الأحوال ومهما كانت المبررات والأسباب التي تدفع بالفرد الجزائري إلى اختيار التوجه نحو محلات الأعشاب بدل الطبيب، تبقى الحيطة والحذر أكثر من ضرورة لتفادي أن يصيبه ما لا يحمد عقباه.
شكرا لتعليقك